وحدي مع الحزن
"عندما ودّع زوجــه وأطفالــه .. في المطار، عائدين إلى أرض الوطن، وعاد هو إلى أطلالــه.. في غربته.." .
رجعتُ للبيتِ ..لا أهْـــــلٌ ولا ولـَــــــدُ
وحـدي أعيشُ . . كميْتٍ ضمّــه لَحِــــــــدُ
وحدي مع الحزنِ ..أصلى غربةً طَعَنَــتْ
روحـي ، ففي كّل آنٍ يشتكـــي الجســـــــدُ
غــاب الأحبـّـــةُ ، فالعينان في يَبـَــسٍ
ومثلهمْ في فيافي العمْــرِ يفتقــــــــــــــدُ
ودّعتهـمْ ..، وعلى الخدّينِ أوديــــــــةٌ
حرّى ، وفي الصدرِ نارُ الشوق تتقـــــــــدُ
ظللــتُ أرقــبُ أطـيافاً لهـــمْ ..، ويـدي
تحـكّ عيني ..، إلـى أنْ حكّــني الرّمَـــــدُ
( مع السّـلامةِ ..) ، عينُ اللـه تحفظــكمْ
( مع الّسلامـةِ.. ) ، لا خوفٌ ولا كَبَــــدُ
ما ذقــتُ مرّ النّــــــوى حـتى رأيتــُهمُ
يلوّحــــــون بأيديـــهمْ ، وقــد صَعـِــدوا ..
وكلّ حَـرْفٍ على الأفـــــواه .. يخطِفُــه
هـديرُ ( طائرةٍ ) .. مـن خـلفهــمْ رَصَــدُ
كــأنّ روحــــيَ شقّــتْ ثوبَهــا ..لَحَقــاً
فالجســـمُ مني جراحٌ، ما لـهـا عـــــددُ
ظننـتُ أني سأبقى إنْ نـأوا ..جَبَـــــــلاً
وإذ أنا خــيمـــةٌ تهــــوي ..بهـــا العُمُـــدُ
وكلّ ريحٍ هَفَــتْ.. تــذرو لهــا مِـــــزَعَاً
كـمــا تـشــاء، فـلا حـــبْـلٌ ولا وَتِــــدُ
فتلك أشــــلاءُ روحــي ..مَـنْ يلملمُــــها
تودي بها البيـدُ .. والظلمــاءُ.. والكَـمَـــدُ
مـاذا دهــاني.. لكي أرضـــى بعادَهُـــمُ
عـنّي، وأنْ أنجزَ الوعـــدَ الذي وُعِـــــدوا
فليذرف (الكُـسَعـيُّ ) اليومَ .. أدمُعـَـــه
ويُــدْمِ إصْـبَعَـــه..، قـد فاتـــه الّرشَــــــدُ
ما عــــدتُ ألقى وراء البابِ .. بسمــتَـها
تسقي فــــؤادي، إذا ما جــــئتُ أبتــــــــردُ
وقــولَها: جئـتَ يا عمْــري ويا سـكـنـي
أهـلاً..، حمـاكَ إلـهـي شـرّ مَـنْ حســدوا
البيتُ بيتُـكَ .. معـمــورٌ بصاحبـــــــــه
فأنـتَ زينــةُ هــذا البيـتِ ..والسَّنَــــدُ
ماعـــدتُ ألقى (فراخاً) حين تلمحُــني
من آخـــر الدار، طـارتْ..وهي تجتهـــدُ
ما عدتُ أسمعُ (بابا)..، وَهْي مُلْهمــــتي
تفــوحُ كالمسْــكِ ..إنْ قامــوا وإنْ قعــــدوا
(بابا) إذا لعبوا ، (بابا) إذا درســـــوا
(بابا) إذا أمنوا ، ( بابا ) إذا ارتعــــدوا
أبيتُ ليليَ .. في صمْــــتٍ يـمزّقـــــــــني
صياحُ غيلانـــه.. ، والناسُ قـــد رقـــدوا
إني أحنُّ إليهمْ .. كــلّ ثانيـــــــــــــــةٍ
وإنْ هــمُ في الحنايا الـروحُ والكَبِـــــــــدُ
لَكَـــمْ تعـــــاتبني نفسي.. وتزعجنـــــي
بقولها: كيـف غابــوا ! حين تنفـــــــــردُ
ماذا أجيبُ ! وقد أعطاهـُـــــــمُ سَفَــــهاً
(تأشيرةً) للنّـــــوى .. مـني فمٌ ويـــــــدُ
الآن ما نَـــدمي ! ما عاد لي أبـــــــــداً
إلا التجـــــــلّـد والتَذكــــارُ.. ملتــحــــدُ
أشتاقُ (إنعامَ) .. كـم طابتْ مجالسُـــنا
فيها يسامـــرُنا طفـلٌ لنا .. وَغَـــــــــدُ
وألــفُ ذكـرى .. كطعْــمِ الفجـر طلّتُــها
يظــلُّ يحنــو .. عليها العُمْـرُ والخَلَـــدُ
مـاذا أحــدّثُ عـن لُطْـــــفٍ وعـن أدبٍ
وعــن صـــفاء فــــؤادٍ، دونـــه الــــبَرَدُ
أرنو إليها (ملاكاً).. جاء يحملــــــــني
إلى (الفراديسِ) ،حيث الحــبّ والأبـــدُ
حيث الحياةُ كمثل العطــر ملمسـُــــها
حيـث السعـادةُ .. لا هـــــمّ ولا نَكَــــــدُ
أشتاقُ صـــورة (ليثٍ)، كم يذكّــرني
مرآه وجهيْ، ووجـهي أخــضرٌ مَلِــــــدُ
والكـونُ حولي.. كحِضْـن الأمّ يرضعــني
حـبّاً وأمـناً، فــلا غـــــولٌ ولا أسَـَــــدُ
أطـــيرُ كالـبلبـل الـــغِرّيد.. مــنتشياً
من سهـل (إربـدَ) حتى تنجلي (صَمَـدُ)
ألهو مع الصحْـبِ.. من عشْـبٍ إلى شجر
والأرض بحـــرُ ثمـــارٍ، ما له نَفَــــــدُ
تالله ما رحــتُ ساعـاتٍ ..ألاعبُـــــــــه
إلا وقالــتْ ليَ الأعـــــــوامُ: يا وَلَــــــدُ
أشتاقُ صوتَ (رؤى)، كم وشوشتْ أذني
غــــــرائباً.. وحـــكـــايا كـلّــــها فَنَـــــــدُ
أصغــي إليـهـا..، وويلي من سلاطتـها
إنْ رحــتُ أســـألُ مــرتاباً .. وأنتقـــــدُ
(بابا) ..، وتنظـرُ شزْراً ..، هل تكـذّبني
ومـنْ تصــدّقُ ..إنْ كــذّبتَ مَنَ شهــــــدوا
أنا (رؤى) يا أبي، هـل أنت مــحتمــلٌ
منها بـعـــاداً ، إذا مـا مسّــــها حَــــرَدُ
للــهِ حُــلْـمٌ بـريءٌ ، كـلّـه عَـــــــجَــبٌ
للــــهِ دَلٌّ شــهـيٌّ، طـعْمُــــــه شَــــهِــدُ
أشتاقُ روحَ (رمـــــوزٍ ) حـين تقرُصنـي
وتــدّعـي أنّ لحــــمي راح ينجــــــــــردُ
وربّما حَلَفَــتْ باللــــه.. قـــدْ سمعـتْ
جِـْلدي يقـولُ لـهـا: ما عـاد لي جَــــلَدُ
تنــطّ في فَــــرَحٍ .. قـد فــزتُ يا أبتـــي
إذْ ألــــفَ آهٍ وآهٍ .. رحـــــتَ تـــــزدردُ
كــمْ خادعتــني ..إذا ما قمتُ أمسكـــها
كأنّـها نحْــــلةٌ.. تــدنــو فتبتعــــــــدُ
أعــدو وراها، فيُنْسيــني لـهـا ضَحِـــكٌ
حُـلْـوٌ ..عُبُــوسَ زمـــانٍ، قلبُهُ صَــلِــــدُ
(إنعامُ)..(ليثُ) ..(رؤى)، مَنْ ذا يجاوبني
منكمْ..(رموزُ)..، مضوا..،فالبيتُ لا أحــدُ
كانوا النعيـــــمَ لقلبـــي، إذ يلاحقـــني
سوطُ العــــــذابِ، فمـاذا بعدهمْ أجــــــدُ
لم يبـقَ غيرُ لهيبِ البعــــــدِ يجلـــدني
لكــنْ ..سأبقى ( بلالاً ) آهتي: أَحَـــــدُ
قــد يجمع اللــــهُ..ما بيني وبينهُــــــمُ
فهْــو الرحيــمُ الودودُ الواحــدُ الصمـــدُ
عمّا قريـــبٍ..، ربى (عمّانَ) تجمعُـــنا
أحـبــّــةً..، فيغنّـــي قـلبـُــها الغَــــــرِدُ
(عمّـــان) تلك التي.. لـم أنســها أبــــداً
فـحبّـــها في فـــــؤادي.. مــا لــه أمـــــدُ